ثلاث زهيرات عابقة.. سقطن وفاح أريجهن..ودخل كل نافذة.. وأيقظ القلوب..!
لننطلق لأولاهن !
أبرار عبدالعزيز السويلم..
أبرار ذات التسعةَ عشر ربيعاً .. فتاةٌ في مقتبل الشباب .. ضاحكة السن .. حلوة المعشر ..رمزُ النشاط والحيوية و البشاشة و التفاؤل .. هكذا تبدو لكل من عرفها , بل و حتى من رآها و لم يعرفها .. 8/5 / 1423 هـ .. تاريخٌ له ذكرى جميلة في الفؤاد ... فهو تاريخ زفافها كأبهى عروس تُزف إلى زوجها .. و بعد ستة أشهر .. تزيد أو تنقص قليلاً شاء الله – عز و جل – بحكمته البالغة قبض روحها ؛ فقد التهم الحريق بيتها الصغير ... و أطبقت عليها الأبواب و أظلم المكان ؛ فتوفيت اختناقاً و الحمد لله على كل حال.. العجيب في ذلك أنها توفيت و هي متلفعةٌ بعباءتها و لم تُذهل عنها حتى في هذا الوقت العصيب و ما فيه من فزع و خوف.. فقد كانت تأمل الخروج من بيتها ؛ فكيف تخرج بلا عباءة ؟! لا يمكن ذلك .. و لا عجب ؛ فإن الله – عز و جل – يقول : ((يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة ))
تقول أختها : كان يوم جنازتها يوماً مشهوداً ؛ فقد حضره جمعٌ غفير من المشائخ و طلبة العلم و أكثرهم لا يعرفها .. وامتلأ البيت من المعزين و المعزيات , و الدعاة و الداعيات و أهل الخير .. و بكاها الجميع .. الكبير و الصغير .. القريب و البعيد .. الرجال و النساء .. من عرفها و من لم يعرفها .. بل و حتى الخدم!! فقد تأثرت خادمتنا لوفاتها تأثراً بالغاً و بكتها بحرقةٍ و ألم .. و رأينا فيها من الرؤى الشيء العجيب .. ما اطمأنت إليه قلوبنا و سكنت له نفوسنا .. وقفتُ أتأمل ذلك كله و أتساءل : بماذا تميزت أبرار حتى سخر الله لها القلوب .. فرفعت لها الأيدي بالدعاء و لهجت الألسن عليها بالثناء.. فوجدت فيها ميزتين أرجوا أن الله – عز و جل – رفعها بهن: الأولى: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ؛ فلا يمر أمامها منكر إلا أنكرته , ولم تكن تخاف في الله لومةُ لائم. الثانية: الحرقة لهذا الدين و التماس أخبار المسلمين في شتى بقاع الأرض ؛ فقد كانت المسؤولة في البيت عن نقل أخبار المسلمين المضطهدين في الشيشان و فلسطين و غيرهما .. بل كانت كنيتها بيننا ..أم فـــاتــــح فـــلــســــــــطـــــــــــين .. ولعل القارئ الكريم يلمس هذا واضحاً في كتاباتها.. غفر الله لك يا أبرار .. و أسكنك بحبوحة جنانه , و بلغك منازل الشهداء .. و حشرك في زمرتهم كما كنتِ تحبين سماع أخبارهم في حياتك .. و جمعنا بك في عليين .. على سررٍ متقابلين ..
من هي أبرار؟ ولم سماها أهلها أم فاتح فلسطين؟ ولم كتب الله لها هذا القبول والذكر الحسن بعد مماتها؟
جمع إخوتها كتاباتها.. وفوائدها التي كانت تلخصها.. في كتاب أسموه : تحفة الأخيار بفوائد منتقاة من حياة أبرار
وهو على قسمين: 1-خواطرها ومقالاتها. 2-فوائد دونتها.
مقتطفات مما كتبته: ][ الوصية ][ أنا أبرار السويلم .. هذه وصيتي إليكم .. أحبتي : إنني لا أملك مالٌ ولا درهم ولكن أوصيكم بإعطاء ملابسي للفقراء .. و أن تبنوا لي مسجداً ينفعني في آخرتي , و أن تدعوا لي ؛ فهذا أحسن عمل ينفع الأموات .. و السلام عليكم.. ابنتكم الراحلة أبرار [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
][هذه الكلمات كتبتها في سفرها الأول بعد زواجها ..][ أيا قلمُ .. أيا قمرُ .. أيا دنيا اسمعيني .. و أرسلي أيتها الشمس سلامي إلى أحبابي .. أيا قلمُ اكتب أعذب عبارات الشوق و الحنين .. أيا قمرُ أنر على أحبابي و خلاني .. و بلِّغهم أني لهم مشتاق .. أيها العالم بأسره اسمع كلماتي .. و يا طيور غردي أناشيدي و ألحاني .. ثم انقليها معك إلى وطني .. إلى أهلي .. أبي و أمي .. إخوتي و صحبي .. إلى ديار الأحباب .. و بصوتك الجميل غردي أحلامي و أحزاني أمالي و حنيني .. و نادِ بأعلى صوتك .. متى أعود لكم أحبتي؟! بنتم و بنَّا ؛ فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم , و لا جفت مآقينا بقلم / محبة الوطن [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
من الفوائد التي كتبتها : ][لا تغتري ][ قال أحد السلف : لا تغتر بمكان صالح .. فلا مكان أصلح من الجنة و لقي فيها آدم ما لقي .. و لا تغتر بكثرة العبادة .. فإن إبليس مع طول العبادة لقي ما لقي .. و لا تغتر بلقاء الصالحين .. فلا شخص أصلح من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتفع بلقائه أعداؤه و المنافقين. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
][صورةٌ مشرقة ][ يقول الراوي : كنتُ جالساً في اللقاء الأسبوعي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – ذات يوم.. فبدأ الشيخ بالدرس , ثم بدأت أسئلة الحضور تطرح عليه , واحداً تلو الآخر حتى وصل المكبر إلى شاب صغير.. فأخذ المكبر من بعده ؛ فأرجعه الشيخ له .. الذي بدأ بحمد الله وأثنى عليه و صلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ودعا للشيخ ثم بدأ يسأل الشيخ أسئلة تفوق عمره .. أسئلة في الطلاق و أحكامه و الشيخ يجيبه ويبتسم متعجباً منه .. و هو الذي لم يبلغ اثنا عشر ربيعاً .. و هنا تفكرت فيمن تجاوزت العشرين و مع ذلك لا تستطيع قول نصيحة .. أو إلقاء كلمة .. فسبحان الله !!
توفيت وعمرها عشرون سنة وتدرس في كلية التربية قسم الدراسات القرآنية.. وتحفظ القرآن الكامل بإتقان وتدرس القراءات العشر ومن الأوائل في دفعتها .. توفيت في حادث أليم هي ووالدها وأمها و2من أخواتها.. وقبل وفاتها بلحظات..ألهمت دنو أجلها.. وكتبت وصيتها !
ميمونة بنت عبدالعزيز بن محمد الوهيبي كبرى البنات للشيخ عبدالعزيز الوهيبي عمرها في العشرين ربيعا .. تدرس القرآن الكريم وعلومه في كلية التربية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن فتاة لم تكن تعرف فتذكر في حياتها !! لكنها بعد وفاتها أصبحت أشهر من نارٍ على علم!!
ترى لم اشتهرت ميمونة وقبل ذلك من هي ميمونة ؟ التي تردد اسمها على الألسن نطق به الصغير قبل الكبير تأثر لوفاتها الجميع وبكى على فراقها الناس !!
حقا انه لأمر محير أن يشتهر الشخص ويرتفع ذكره بعد وفاته وان تتناقله وسائل الإعلام وتنشر شيئا من خطه وحياته !! [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ابدأ فأقول .. ميمونة والبر بالوالدين:
تحدثني ميمونة عن والديها كثيرا وتفتخر بأبيها ولا تكاد تمر حكاية إلا ولأبيها جزء من هذه الحكاية .. كان والدها يؤمل فيها خيرا كثيرا .. كان والدها يعتبرها كأبنه في المقام الأول وكطالبة علم عنده وكصديقه يحكي لها عن مواقفه وقصصه .. ميمونة من أحاديثها لي ولصديقاتي عرفت عنها برها بهما كانت تقول لي في حكاية أن والدي لو منعني من الذهاب إلى صديقتي الحبيبة لن اذهب بعد منعه لي ابداااا.. أما مع أمها كانت تذهب لدار التحفيظ وتساعد أمها في تدبير أمور الدار !
ميمونة والحجاب : بعد نهاية يوم جامعي أوقفتني ميمونة وقالت : (انتظري بطلع معك وكنا نهم بارتداء عبائتنا أخرجت ميمونة عبائتها من الحقيبة وقالت ضاحكه _ أحسن شي هالعباية خفيفة وماتاخذ مكان في الشنطة (عبائتها حرير) ارتدت ميمونة عبائتها تحت ناظريّ كانت عباءة بحق وكانت حجاب !! واسعة فضفاضة مغلقة من الأمام ثم ارتدت الطرحة والنقاب –نقاب ساتر لا يخرج من عينيها شيء -ثم ارتدت القفاز وأخذت بيدي وانطلقنا خارجتين من الكلية وتفرقنا كل إلى حافلته ..
في أحاديثي معها عن الحافلات ومانجد من تعلقيات البنات علينا تقول البنات في الحافلة ( يحسون إني معقدة ) هذا في نظرهم وإلا فهي الحرة .. خرجنا نسير إلى محاضرتنا الأخرى ونكمل مابدأناه من أحاديثنا وعن طول الطريق وماذا نفعل في الحافلة فقالت ( أنا الحمدلله جوالي ذاكرته كبيره فأحمّل فتاوى لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين ساعة إلا ربع واسمعها الين أوصل لبيتنا ولا علي من سواليف البنات ولا شي – قلت ماشاء الله عليك باستعجاب فقالت هاااه لا انوووم عاد انووم ) كانت رحمها الله تخفي صلاحها إخفاء شديدا !! [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ميمونة والحياء :
كانت حيية في أحاديثها ومزاحها ذات صباح كنا نتحدث عن الحياء من السائق فقالت ( كنا في السيارة أنا وأمي وأخواتي ومعنا السواق فسوينا صجة وكذا قالت أمي يابنات لو كنا مع –اشرف اسم السواق– في غرفة وحدة مارح تستحون منه ؟! قلنا إيه بنستحي قالت طيب السيارة أضيق من الغرفة !! تقول عقبها هجدنا وعقلنا !!) اكتب بما معنى كلامها هذا الموقف قيل على عجل لكنه علق في ذهني فبالله عليكم انظروا إلى هذا الأسلوب التربوي الراقي الذي اتخذته هذه الأم مع بنياتها !! رحمك الله يا أم ميمونة رحمك الله .
آخر رسالة وصلتني منها كنت اسألها عن اختباراها يوم الاثنين 1/6 فأرسلت (مرره حلو احمد ربي واشكر فضله ) في ذاك اليوم سمعت أربعة أجزاء من القران في الكلية وسمعت في الدار أيضا !! ومن الغد انتقلت إلى رحمة ربها.
ميمونة والصلاة : لم أكن اعرف أنها تصلي الضحى في الكلية ! وماعرفت ذلك إلا بعد وفاتها فهي تحرص أن لايراها احد ... كانت توقظ أخواتها لصلاة الفجر وتحثهن على قيام الليل .
ميمونة وقيام الليل : ذات صباح سألتها صديقتها تقول ميمونة أنت متقنة للحفظ ماشاء الله ماهي طريقتك في الحفظ ؟! قالت : تبغين تتقنين القرآن قومي به في الليل !! ثم استدركت كلامها حتى لا تكشف عن نفسها فقالت الشيخ الفلاني يقول كذا والشيخ يقول كذا ....
ميمونة والقراءة وطلب العلم : أكاد لا أرى ميمونة إلا والكتب في أحضانها !! مرة كانت تهم بالخروج ومعها مجموعة من الكتب فقالت لي : أنتي تحبين تقرين صح ؟! قلت إيه قالت تبين هذا ؟! وأعطتني كتاب للشيخ عائض القرني قلت لها أنني قرأت له قالت هو يكرر في كتاباته ثم قلت لها أنا الحين طايحة في الروايات قالت الله يرحم حاااالك عسى ميب روايات اماراتية ؟!! قلت وأنا اضحك لالا روايات ثانية !! كانت تعرف لمن تقرأ وما الذي تقرأه !! تحب كتب ابن القيم كثيرا .. لا تقرأ كتاب حتى تعرف المؤلف وتسأل عنه وتتصل على المشائخ تستشيرهم في الكتب !! اكبت على طلب العلم اكبابا في آخر أيامها وكانت تقرأ المغرب والعشاء في كتاب شرح أسماء الله الحسنى مع انشغالها في دراستها.. عمتها تقول لاتحزنوا عليها .. كانت تطلب العلم بحق .
ميمونة وماتسمع : تقول لي ضاحكه جوالي ماكنه جوال بنت ! مافيه أناشيد إلا أنشودتين ذيك القدام .. تسمع كثيرا المحاضرات وتحب محاضرات الشيخ المغامسي وترسل لصديقاتها تخبرهم بمحاضراته !!
ميمونة والجوال : هنا لا ادري ماذا أقول أنا ممتنة جدا لجوالها الذي لولا الله ثم هو لما عرفتها ذات يوم تغيبت عن الكلية لليومين متتالين فتفاجئت برسالة على جوالي تسأل عني وتقول (سلامة قلبك عسى ماشر وختمتها بميمونة .. ) لم أكن قبل هذه الرسالة اعرفها حق المعرفة ومع هذا أخذت رقمي وتفقدتني !! ميمونة إذا رأت الشخص يظن أنها لا تحب إلا هو !! بشوشة ... مبتسمة ... سلامها حااااار تقبل على الشخص إقبالا تسأل عن من يغيب تتفقد زميلاتها .
رسائل الجوال : أتعجبون من وصيتها !! أنا والله لم أعجب لأنها فتاة حفظت القلم فحفظها الله به .. لا ترسل إلا الفوائد والدرر أو إعلان عن محاضرة أو مدح لكتاب قيم تكتب ماتسمع وترسله لصديقاتها أو تكتب مايعجبها إذا قرأت ترسله رسالة قصيرة أو وسائط أو بلوتوث !! كانت لاتحب التحدث في الجوال كثيرا ..حتى أني أطلت عليها مرة وأنا اعرف أنها لاتحب الإطالة فقلت لها ممازحة –أبسكر قبل ماتسكرين في وجهي – رحمها الله.
ميمونة والتفوق : كانت رحمها الله متفوقة لكنها لم تكن معروفة للأستاذات إلا بدرجتها ! كانت إذا غابت زميلتها تأخذ دفترها وتكمل لها المحاضرة ! لا أنسى يوم أتتني لتشرح لي مسألة من غير أن اطلب منها رحمها الله .. كانت تدافع عن حقوقنا وتطلب التخفيف عنا... إن علمت بمعلومة لم تبخل أبدا في إسدائها إلينا بعدما تتعب في الحصول عليها .
ميمونة وطيبة القلب : أنا اشهد على هذا فهي صافية النفس لاتحمل على احدٍ في قلبها أبدا وهذا عرفته من خلال رسائلها معي ورسائلها مع صديقاتها .
ميمونة والموضة : في اليوم الذي توفيت فيه كنت انظر إليها وأتحدث إلى صديقتي بجانبي وامدح –قميص ميمونة- كان لونه احمر هادىء كنت أنا وصديقتي متعجبات من قمصانها فهي راقية جدا وساترة ولاتوجد في كل مكان توفيت وأنا لم اسألها من أين تشتريها! كانت تقول لصديقاتها أنني لا أحب أن يخرج شي من جسدي حتى نحري!! ترتدي قمصان وتحتها –بدي- تحب الحياء والستر سترها الله عن النار ! اكسسواراتها وحقائبها الفخمة – الكشخة- وشعرها الذي رجتني في آخر يوم لي معها أن أسمح لها بقصه فرفضت !! كله يزيدها جمالا فوق جمال الحياء والستر والإيمان احسبها والله حسبيها !!
هذا ما استطعت أن اكتبه عن حبيبة القلب ميمونة الوهيبي رحمها الله وهذا وأنا لم اعرفها إلا من شهر واثنا عشر يوما ماكتبته أرجو الله أن ينفع به وختاما أقول ميمونة فتاة مثلها مثلنا عاشت حياتها طولا وعرضا لكنها راعت حق خالقها ومولاها فرفع الله ذكرها بعد ماتوفاها اخياتي لنحرص على : سلامة الصدر وعلى وضوح الهدف وعلى البر والستر وعلى الحب والإخاء في الله وهذا ما تعلمته منها في فترة قصيرة .. صديقة ميمونة الوهيبي ...محدثة المستقبل 11/6/1430