قال الراوي : حدثني ديك من ديوك مصر عن أبيه عن جده.. قال: كنت صديقا مخلصا للشاعر الكبير أحمد شوقي.. وكنت ألازمه في حله وترحاله، ولا أذكر أنه تركني وسافر وحيدا، مهما بعدت شقة سفره أم قربت. ذات يوم قرر شوقي أن يأخذني معه في رحلة سياحية.. نطوف خلالها بلاد النوبة حيت الخضرة والبساتين الوارفة الظلال.. وقد كانت تلك الرحلة من أجمل الرحلات في حياتي.. وكنت خلالها أسعد ديوك الدنيا.. لولا أنني كدت وعلى حين غرة أن أفقد حياتي. ـ فقلت متسائلا : وكيف حدث ذلك.. ؟ ـ فقال الديك متابعا حديثه: يقول والدي فيما يرويه عن والده يرحمه الله: حينما علم الثعلب الماكر الذي كان يقطن بلاد النوبة بوصولنا.. تفتق ذهنه عن حيلة ماكرة.. حيث لبس كأي مخادع لباس أهل الصلاح.. وادعى الورع والتقوى.. وخرج إلى المسجد لتأدية صلاة الفجر.. وقد تعمد أن يسلك نفس الطريق التي كنت أسلكها , للحاق بصديقي الشاعر، الذي سبقني إلى المسجد. فرأيته بجلبابه ولحيته وطاقيته البيضاء.. رأيته يقف بخشية ووقار، كأن على رأسه الطير من تصنعه وتحايله.. كان الماكر يرتل وبصوت مسموع حكمه ومواعظه.. وكنت لجمال صوته وبتأثير من مواعظه وكلماته العذاب، التي كان يرددها بوقار مفتعـل.. قد اقتربت منه معتقدا أنه إمام ذلك المسجد الذي كنت أقصده. " سكت الديك قليلا ثم قال " في الواقع، كاد جدي أن يفقد حياته ويصبح لقمة صائغة لذلك المخادع.... بعدما خيل إليه أنه فعلا في حاجة إلى من يؤذن لصلاة الفجر.. فاقترب منه أكثر وقد كان ينوي أن يمد له يده مسلما.. ويصحبه إلى المسجد ليؤذن للصلاة.. لولا أنه سمع من يهتف به محذرا وبكلام موزون: " مخطيٌّ من ظنّ يوماً أَنّ للثعلبِدِينا" . فأمعن النظر جيدا، فرأى ذيله الكريه يتدلى من تحت جلبابه، فعرف من فوره، أنه ثعلب مخادع وماكر ـ فقلت مستغربا ومتشوقا: وماذا حدث بعد ذلك.. ؟ ـ فقال الديك متابعا حديثه.. قال جدي: قفزت حين ذاك من شدة الخوف.. قفزت إلى أعلى بناية في المكان.. وضللت هناك حتى طلعت الشمس من خدرها.. وانصرف الثعلب يائسا لحاله سبيله.. وبعد أن تأكدت من انصرافه.. نزلت وأسرعت هربا، إلى صديقي الشاعر الذي قصصت عليه ما حدث.. ففرح بسلامتي ونجاتي من ذلك المخادع.. وخلد حكايتي معه، من خلال قصيدته المشهورة التي يقول في مطلعها*:
برز الثعلبُ يوماً في ثيابالواعِظينا فمشى في الأرضِ يهذي ويسبُّ الماكرينا
ويقولُ: الحمدُ للـ ـهِإلهِ العالمينا يا عِباد الله، تُوبُوا فهوَ كهفُ التائبينا
ـ قلت: لعنه الله يدعى التقوى والورع والصلاح.. ويضمر الهلاك والشر لخلق الله. ـ فقال الديك معلقا: أرأيت صدق كلامي.. كفاني عزا وفخرا.. أن ذلك الديك الذي طلبه.. الثعلب الماكر ليؤذن لصلاة الفجر.. وخلده شوقي في قصيدته، هو جدي يرحمه الله ـ قلت: رغمت أنوف ثعالب الدين، ها هي سلالته الطاهرة، لا تزال توقظ الصالحين لصلاة الفجر.[/center] [/center]
احمد رامى
مدير عام
المزاج : الهوايه : المهنه : الجنس : عدد المساهمات : 16454 تاريخ التسجيل : 07/02/2011 العمر : 44