حبــــــــــرٌ على ورق !!

ثيراً ما ينسكب الحبر على الورق باحثاً عن ملجأ له , يفضفض به عن همومه
التي هبّت عليه من شتى النواحي , ويجفف به دمعته التي تكاد تسقط من على قمة
رأس قلمه الحزينة.

إنه الحبر الذي اِلْتَفَّت حوله أحزان العالم الكبير بأسره, وغمرته بتدفق
مشاكلها العليلة محاولاً أن يجد لها الطريق السوي الذي تهتدي عليه, فهي
حقاً مشاكل جمّة قد وقعت على عاتق ذاك الحبر النازف بمعاني الحزن البريئة,
وقد تطايرت من بسمتهِ معاني الفرح الجميلة, وهو الآن على أمل أن يلقى له
أنيسٌ يواسيه في مصيبته, ولهذا اختار الورق !


وبقدر ما هي ضخمة كمية الحبر المتدفقة على الأوراق إلاّ أن فائدتها لا
تُستغل غالباً, وفي حين يبقى كلامها المصقول مجرد حبرٌ على ورق, وتبقى
القراءة للقراءة المُجردة لا للفائدة وتطبيق مقتضياتها وهنا يفقد الحبر
أسمى معانيه وتذهب الكلمات المنسوجة منه بين غبار الماضي.

ومع هذا فإن الورقة ما زالت تشكي للحياة مشاكل العالم التي قد حمّلها إياه
ولكن القارئ لا يقرأ, وإن كان يقرأ فإن قراءته ستكون هباءً منثوراً, لذا
فإن الأوراق في الغالب خالية من الزوار المتعظين مليئة بالتائهين الذين
يتخذون من القراءة لعبة يتسلون بها دون أن يخرجوا بفائدة منها.

فأي بصمة تركتها الأوراق للحياة ؟! غير أنها خلّفت فُتات الكلمات المتناثرة
التي تحتاج لمن يعيد صياغتها وترتيبها من جديد, وأي نِتاج فكري كونته تلك
الأوراق المكتوبة سوى أنها أصبحت قطع ممزقة بين الشوارع والأزقة ..!

فعندما نرى حلولاً لمشاكل العالم مسطورة على الأوراق دون أن نطبق شيئا
منها, نكون قد أضعنا حق القراءة وأهدافها السامية للرقي بروّادها إلى
المعالي وهنا سوف يجف الحبر وتنتحر الأوراق لتتبخر كلماتها لعدم وجود من
يقرأ لذات القراءة.