الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛فالغرض من الخطبة:
إثارة الهمم والشوق للسعي إلى بيت الله -عز وجل-. مقدمة الخطبة:
- كثرة مواسم الخير في هذه الأمة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.. ) (البقرة:185)، ينقلنا إلى(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)(البقرة:197)، يكثر فيه النداء: "لبيك اللهم لبيك".
- رحلة الهجرة إلى الله تلبية للنداء: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27).
- أعظم وأشرف اجتماع في أعظم بقعة: (انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).
- فما أعظمها من رحلة! يمر فيها الحجيج بمنازل عظيمة حتى يصلوا إلى بيت ربهم، وهي كمعالم الطريق لا بد للسائر من معرفتها قبل القصد والرحلة، وفي كل منزلة تذكرة وعبرة.
المنزلة الأولى: فهم موقع الحج من الدين:
- الحج فريضة الله على عباده: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران:97)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه).
- الحج أفضل الأعمال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ) (متفق عليه).
- الحج ولادة جديدة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (متفق عليه).
- الحج جهاد العاجز والمرأة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ) (رواه أحمد والنسائي، وقال الألباني: حسن لغيره).
- الحج عاقبته الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ) (متفق عليه).
المنزلة الثانية: الشوق إليه:
- ويأتي بعد الفهم لموقع الحج استحضار أن البيت هو بيت الله -عز وجل-، وقاصده قاصد إلى الله وزائر له، والجزاء من جنس العمل، فجدير بمن زار بيته في الدنيا أن يرزق الزيارة العظمى برؤية وجهه -سبحانه- يوم القيامة، فعن صهيب الرومي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ؛ قَالَ: يَقُولُ: اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عَزَّ وَجَلَّ-) ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (رواه مسلم).
- فيعلم بعزمه أنه مفارق للأهل والوطن، مفارق للشهوات والملذات، فيخلص عمله من كل شائبة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لاَ رِيَاءَ فِيهَا وَلاَ سُمْعَةَ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال شريح: "الحاج قليل، والركبان كثير".
- صدق عاجز خير من سعي كاذب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ؛ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟! قَالَ: (وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ) (رواه البخاري).
وقال الشاعر:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسومًا وسرنا نحن أرواحًا
معناه: رد المظالم والتوبة الخالصة لله -تعالى- قبل السعي، فكل مظلمة مثل غريم متعلق بتلابيبه ينادي عليه: أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره؟! ألا تستحي أن تقدم عليه كذلك فيردك ولا يقبلك؟! قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا) (رواه مسلم).